فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{والضحى (1)}
تقدم تفسير {الضحى} بأنه سطوع الضوء وعظمه، وقال قتادة: {الضحى} هنا، النهار كله، و{سجى} معناه سكن، واستقر ليلاً تاماً، وقال بعض المفسرين {سجى} معناه أقبل، وقال آخرون: معناه أدبر والأول أصح، ومنه قول الشاعر: الحارثي: الراجز:
يا حبذا القمراء والليل الساج ** وطرق مثل ملاء النساج

ويقال بحر ساج أي ساكن ومنه قول الأعشى: الطويل:
وما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم ** وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

وطرف ساج إذا كان ساكناً غير مضطرب النظر.
وقرأ جمهور الناس {ودّعك} بشد الدال من التوديع.
وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام {ودَعك} بتخفيف الدال من التوديع.
وقرأ عروة بن الزبير وأبنه هشام {ودَعك} بتخفيف الدال بمعنى ترك،
و{قلى} معناه: أبغض. واختلف في سبب هذه الآية فقال ابن عباس وغيره: أبطأ الوحي مرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة مدة اختلفت في حدها الروايات حتى شق ذلك عليه فجاءت امرأة من الكفار هي أم جميل امرأة أبي لهب، فقالت يا محمد: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت الآية بسبب ذلك.
وقال ابن وهب عن رجال عن عروة بن الزبير أن خديجة قالت له: ما أرى الله إلا قد خلاك لإفراط جزعك لبطء الوحي عنك، فنزل الآية بسبب ذلك، وقال زيد بن أسلم: إنما احتبس عنه جبريل لجرو كلب كان في بيته، وقوله تعالى: {وللآخرة خير لك من الأولى} يحتمل أن يريد الدارين الدنيا والآخرة، وهذا تأويل ابن إسحاق وغيره، ويحتمل أن يريد حاليه في الدنيا قبل نزول السورة وبعدها فوعده الله تعالى على هذا التأويل بالنصر والظهور، وكذلك قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك} الآية، قال جمهور الناس: ذلك في الآخرة، وقال بعضهم من أهل البيت هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى وأحد من أمته في النار، وروي أنه عليه السلام لما نزلت قال: «إذاً لا أرضى وأحد من أمتي في النار»، وقال ابن عباس: رضاه أن لا يدخل أحد من أهل بيته في النار، وقال ابن عباس أيضاً: رضاه أن الله تعالى وعده بألف قصر في الجنة بما يحتاج إليه من النعم والخدم، وقال بعض العلماء رضاه في الدنيا بفتح مكة وغيره، وفي مصحف ابن مسعود: {ولسيعطيك ربك فترضى}، ثم وقفه تعالى على المراتب التي رجه عنها بإنعامه ويتمه، كان فقد أبيه وكونه في كنف عمه أبي طالب.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق لم يتم النبي عليه السلام من أبويه، فقال لئلا يكون عليه حق لمخلوق.
وقرأ الأشهب العقيلي {فآوى} بالقصر بمعنى رحم، تقول أويت لفلان أي رحمته، وقوله تعالى: {ووجدك ضالا} أي وجده إنعامه بالنبوة والرسالة على غير الطريقة التي هو عليها في نبوته، وهذا قول الحسن والضحاك وفرقة، والضلال يختلف، فمنه القريب ومنه البعيد، فالبعيد ضلال الكفار الذين يعبدون الأصنام ويحتجون لذلك ويعتبطون به، وكان هذا الضلال الذي ذكره الله تعالى لنبيه عليه السلام أقرب ضلال وهو الكون واقفاً لا يميز المهيع لا أنه تمسك بطريق أحد بل كان يرتاد وينظر، وقال السدي: أقام على أمر قومه أربعين سنة، وقيل معنى {وجدك ضالا} أي تنسب إلى الضلال، وقال الكلبي ووجدك في قوم ضلال فكأنك وأحد منهم.
قال القاضي أبو محمد: ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعبد صنماً قط، ولكنه أكل ذبائحهم حسب حديث زيد بن عمرو في أسفل بارح وجرى على يسير من أمرهم وهو مع ذلك ينظر خطأ ما هم فيه ودفع من عرفات وخالفهم في أشياء كثيرة، وقال ابن عباس هو ضلاله وهو صغير في شعاب مكة، ثم رده الله تعالى إلى جده عبد المطلب، وقيل هو ضلاله من حليمة مرضعته، وقال الترمذي وعبد العزيز بن يحيى: {ضالا} معناه خامل الذكر لا يعرفك الناس فهداهم إليه ربك، والصواب أنه ضلال من توقف لا يدري كما قال عز وجل: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] قال ثعلب قال أهل السنة: هو تزويجه بنته في الجاهلية ونحوه، والعائل الفقير.
وقرأ اليماني {عيَّلاً} بشد الياء المكسورة ومنه قول الشاعر أحيحة: الوافر:
وما يدري الفقير متى غناه ** وما يدري الغني متى يعيل

وأعال: كثر عياله، وعال: افتقر، ومنه قول الله تعالى: {وإن خفتم عيلة} [التوبة: 28] وقوله تعالى: {فأغنى} قال مقاتل معناه رضاك بما أعطاك من الرزق، وقيل فقيراً إليه فأغناك به، والجمهور على أنه فقر المال وغناه، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك، وقال: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكنه غنى النفس».
وكما عدد الله عليه هذه النعم الثلاث وصاه بثلاث وصايا في كل نعمة وصية مناسبة لها، فبإزاء قوله: {ألم يجدك يتيماً فآوى} قوله: {فأما اليتيم فلا تقهر}، وبإزاء قوله: {ووجدك ضالا فهدى} قوله: {وأما السائل فلا تنهر}، هذا عليه قول من قال إن {السائل} هنا هو السائل عن العلم والدين وليس بسائل المال، وهو قول أبي الدرداء والحسن وغيره، وبإزاء قوله: {ووجدك عائلا فأغنى} قوله: {وأما بنعمة ربك فحدث} ومن قال إن {السائل} هو سائل المحتاج وهو قول الفراء عن جماعة، ومعنى {فلا تنهر} جعلها بإزاء قوله: {ووجدك عائلا فأغنى}، وجعل قوله: {وأما بنعمة ربك فحدث} بإزاء قوله: {ووجدك ضالا فهدى}، وقال إبراهيم بن أدهم نعم القول السؤال يجملون زادنا إلى الآخرة، {فلا تنهر} معناه: فرد رداً جميلاً إما بعطاء وإما بقول حسن، وفي مصحف ابن مسعود {ووجدك عديماً فأغنى}.
وقرأ ابن مسعود والشعبي وإبراهيم التيمي، {فأما اليتيم فلا تكهر} بالكاف، قال الأخفش هي بمعنى القهر، ومنه قول الأعرابي: وقاكم الله سطوة القادر وملكة الكاهر، وقال أبو حاتم لا أظنها بمعنى القهر لأنه قد قال الأعرابي الذي بال في المسجد: فأكهرني النبي صلى الله عليه وسلم فإنها هي بمعنى الإشهار وأمره الله تعالى بالتحدث بالنعمة، فقال مجاهد والكسائي: معناه: بث القرآن وبلغ ما أرسلت به، وقال آخرون بل هو عموم في جميع النعم، وكان بعض الصالحين يقول: لقد أعطاني الله كذا وكذا، ولقد صليت البارحة كذا وذكرت الله كذا، فقيل له: إن مثلك لا يقول هذا، فقال إن الله تعالى يقول: {وأما بنعمة ربك بحدث}، وأنتم تقولون لا تحدث، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «التحدث بالنعم شكر» ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسديت اليه نعمة فذكرها فقد شكرها ومن سترها فقد كفرها» ونصب {اليتيم} بـ: {تقهر} والتقدير مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم نجز تفسيرها والحمد لله كثيرا. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{والضحى}
هُوَ وقتُ ارتفاعِ الشمسِ وصدرُ النهارِ قالوا: تخصيصُهُ بالإقسامِ بهِ لأنَّها الساعةُ التي كلَّم فيهَا مُوسَى عليهِ السلامُ وألقَى فيهَا السحرةُ سُجدًّا لقوله تعالَى: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} وقيلَ: أريدَ بهِ النهارُ كمَا في قوله تعالَى: {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} في مقابلةِ بياتاً {واليل} أيْ جِنْسِ الليل {إِذَا سجى} أيْ سكنَ أهلُه أو ركدَ ظلامُه من سجا البحرُ سَجْواً إذَا سكنَتْ أمواجُهُ، وَنُقِلَ عن قتادةَ ومقاتلٍ وجعفرٍ الصَّادقِ أنَّ المرادَ بالضُّحَى هُوَ الضُّحى الذي كلَّمَ الله تعالَى فيهِ مُوسَى عليهِ السلامُ وبالليل ليلةُ المعراجِ وقوله تعالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} جوابُ القسمِ أيْ ما قطعكَ قطعَ المودعِ وقرئ بالتخفيفِ أيْ ما ترككَ {وَمَا قلى} أيْ ومَا أبغضكَ وحَذفُ المفعولِ إما للاستغناءِ عنْهُ بذكرِهِ من قبلُ أو للقصدِ إلى نفي صدورِ الفعلِ عنْهُ تعالَى بالكليةِ مع أنَّ فيهِ مراعاةً للفواصلِ.
روي أنَّ الوحيَ تأخرَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أياماً لتركِه الاستثناءَ كما مَرَّ في سُورةِ الكهفِ أو لزجرِهِ سائلاً ملحاً فقال المشركونَ: إنَّ محمداً ودعَهُ ربُّهُ وقلاَهُ فنزلتْ رَدًّا عليهم وتَبْشيراً لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالكرامةِ الحاصلةِ والمترقبة كما يُشعِرُ به إيرادُ اسمِ الربِّ المنبئ عنِ التربيةِ والتبليغِ إلى الكمالِ معَ الإضافةِ إلى ضميرِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وحيثُ تضمنَ ما سبقَ من نفي التوديعِ والقلى أنَّه تعالى يواصلُه بالوَحْي والكرامةِ في الدُّنيا بشرهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بأنَّ مَا سيؤتيه في الآخرةِ أجلُّ وأعظمُ من ذلكَ فقيلَ: {وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} لما أنَّها باقيةٌ صافيةٌ عنِ الشوائبِ على الإطلاقِ وهذه فانيةٌ مشوبةٌ بالمضارِّ وما أوتِي عليهِ الصلاةُ والسلامُ من شرفِ النبوةِ وإنْ كانَ مما لا يعادلُه شرفٌ ولاَ يُدانيهِ فَضلٌ لكنَّهُ لا يخلُو في الدُّنيا من بعضِ العوارضِ الفادحةِ في تمشيةِ الأحكامِ معَ أنَّه عندَمَا أعدَّ لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الآخرةِ من السبقِ والتقدمِ على كافةِ الأنبياءِ والرسلِ يومَ الجمعِ {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} وكونُ أمتِه شهداءَ على سائرِ الأممِ ورفعُ درجاتِ المؤمنينَ وإعلاءُ مراتبِهم بشفاعتِه وغيرُ ذلكَ من الكراماتِ السنيةِ التي لا تحيطُ بهَا العبارةُ بمنزلةِ بعضِ المبادِي بالنسبةِ إلى المَطَالبِ وقيلَ: المرادُ بالآخرةِ عاقبةُ أمرِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ أيْ لنهايةُ أمركَ خيرٌ من بدايتِه لا تزالُ تتزايدُ قوةً وتتصاعدُ رفعةً.
وقوله تعالَى: {ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} عِدَةٌ كريمةٌ شاملةٌ لمَا أعطاهُ الله تعالَى في الدُّنيا من كمالِ النفسِ وعلومِ الأولين والآخرينَ وظهورِ الأمرِ وإعلاءِ الدينِ بالفتوحِ الواقعةِ في عصرِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وفي أيامِ خلفائِه الراشدينَ وغيرِهم من الملوكِ الإسلاميةِ وفشُوِّ الدعوةِ والإسلامِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها ولما ادخرَ لهُ من الكراماتِ التي لا يعلمُها إلا الله تعالَى وقدْ أنبأ ابنَ عباسٍ رضيَ الله عنهُما عن شَمَّةٍ منهَا حيثُ قال لَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسلام: «فِي الجنةِ ألفُ قصرٍ من لؤلؤٍ أبيضَ ترابُه المسكُ» واللامُ للابتداءِ دخلتِ الخبرَ لتأكيدِ مضمونِ الجُملةِ والمبتدأُ محذوفٌ تقديرُهُ ولأنتَ سوفَ يُعطيكَ الخ، لا للقسمِ لأنَّها لا تدخلُ على المضارعِ إلاَّ معَ النونِ المؤكدةِ وجمعُها معَ سوفَ للدلالةِ على أنَّ الإعطاءَ كائنٌ لا محالةَ وإنْ تراخَى لحكمةٍ وقيلَ: هيَ للقسمِ وقاعدةُ التلازمِ بينَها وبينَ نونِ التأكيدِ قد استثْنَى النحاةُ منهَا صورتينِ أحداهُمَا أنْ يفصلَ بينَها وبينَ الفعلِ بحرفِ التنفيسِ كهذه الآية وكقوله: والله لسأعطيكَ والثانيةُ أن يُفصلَ بينهما بمعمولِ الفعلِ كقوله تعالَى: {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} وقال أبُو على الفارسيُّ: ليستْ هذه اللامُ هيَ التي في قولكَ: إنَّ زيداً لقائمٌ بلْ هيَ التي في قولكَ: لأقومَنَّ ونابتْ سوفَ عن إحدى نونِي التأكيدِ فكأنَّه قيلَ: وليعطينكَ وكذلكَ اللامُ في قوله تعالَى: {وَلَلأَخِرَةُ} الخ، وقوله تعالَى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً فآوى} تعديدٌ لمَا أفاضَ عليه الصلاةُ والسلامُ من أول أمرِه إلى ذلكَ الوقتِ من فنونِ النعماءِ العظامِ ليستشهدَ بالحاضر الموجودِ على المترقبِ الموعودِ فيطمئنَّ قلبُه وينشرحَ صدرُهُ والهمزةُ لإنكارِ النفي وتقريرِ المنفي على أبلغ وَجْهٍ كأنَّه قيلَ: قد وجدكَ الخ، والوجودُ بمعنى العلمِ و{يتيماً} مفعولُه الثَّانِي وقيلَ: بمعنى المصادقةِ و{يتيماً} حال من مفعولِه.
روي أنَّ أباهُ ماتَ وهُوَ جنينٌ قد أتت عليهِ ستةُ أشهرٍ وماتت أمُّهُ وهوَ ابنُ ثمانِ سنينَ فكفلَهُ عَمُّه أبُو طالبٍ وعطّفه الله عليه فأحسنَ تربيتَهُ وذلكَ إيواؤُهُ.
وقرئ {فآوى} وهُوَ إمَّا من أواهُ بمعنى آواهُ أو من أوَى لَهُ إذَا رَحِمَهُ وقوله تعالَى: {وَوَجَدَكَ ضالا} عطفٌ على ما يقتضيهِ الإنكارُ السابقُ كمَا أشيرَ إليهِ أو على المضارعِ المنفيِّ بلمْ داخلٌ في حُكمِه كأنَّهُ قيلَ: أمَا وجدكَ يتيماً فآوى ووجدكَ غافلاً عنِ الشرائعِ التي لا تهتدِي إليهَا العقول كمَا في قوله تعالَى: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب} وقيلَ: ضلَّ في صباهُ في بعضِ شعابِ مكةَ فردَّه أبُو جهلٍ إلى عبدِ المطلبِ.
وقيل: ضَلَّ مرةً أُخرَى وطلبُوه فلم يجدُوه فطافَ عبدُ المطلبِ بالكعبةِ سبعاً وتضرعَ إلى الله تعالَى فسمعُوا منادياً ينادِي من السماءِ: يا معشرَ الناسِ لا تضجُّوا فإنَّ لمحمدٍ ربًّا لا يخذلُهُ ولا يضيعُهُ وإنَّ محمداً بوادِي تهامةَ عندَ شجرِ السَّمُرِ فسارَ عبدُ المطلبِ وورقةُ بنُ نوفلٍ فإذَا النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قائمٌ تحتَ شجرةٍ يلعبُ بالأغصانِ والأوراقِ.
وقيلَ: أضلتهُ مرضعتُه حليمةُ عندَ بابِ مكةَ حينَ فطمتْهُ وجاءتْ بهِ لتردُه على عبدِ المطلبِ.
وقيل: ضَلَّ في طريقِ الشامِ حينَ خرجَ بهِ أبُو طالبٍ.
يُروى أنَّ إبليسَ أخذَ بزمامِ ناقتِه في ليلةٍ ظلماء فعدلَ بهِ عن الطريقِ فجاءَ جبريلُ عليهِ السلامُ فنفخَ نفخةً وقع منهَا إلى أرضِ الهندِ ورَدَّهُ إلى القافلةِ {فهدى} فهداكَ إلى مناهجِ الشرائعِ المنطويةِ في تضاعيفِ مَا أوحِي إليكَ من الكتابِ المبينِ وعلمكَ ما لم تكُنْ تعلمُ أو أزالَ ضلالكَ عن جدكَ أو عمكَ.
{وَوَجَدَكَ عائلا} أيْ فقيراً وقرئ {عَيُلاً} وقرئ {عديماً}.
{فأغنى} فأغناكَ بمالِ خديجةَ أو بمالٍ حصلَ لكَ من ربحِ التجارةِ أو بمَا أفاءَ عليكَ من الغنائمِ قال عليهِ الصلاةُ والسلام: «جُعِلَ رِزْقِي تحتَ ظلِّ رُمْحِي» وقيلَ: قنعكَ وأَغْنى قلبكَ.
{فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر} فلا تغلبْهُ على مالِه وقال مجاهدٌ: لا تَحْتقرْ.
وقرئ {فلاَ تَكْهَرْ} أيْ فلا تعبسْ في وجهِه.
{وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر} فلا تزجُرْ وَلاَ تُغلظْ لهُ القول بلْ رُدَّهُ ردًّا جميلاً قال أبراهيمُ بنُ أدهمَ: نعمَ القومُ السؤّالُ يحملونَ زادنَا إلى الآخرةِ وقال إبراهيمُ النَّخَعِيُّ: السائلُ يريدُ الآخرةَ يجيءُ إلى بابِ أحدكُم فيقول: أتبعثونَ إلى أهليكُم بشيءٍ؟ وقيلَ: المرادُ بالسائلِ هاهنا الذي يسألُ عنِ الدينِ.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فحدث} بشكرِهَا وإشاعتِها وإظهارِ آثارِها وأحكامِها أريدَ بهَا ما أفاضَهُ الله تعالَى عليهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ من فنونِ النعمِ التي من جُملتِها النعمُ المعدودةُ الموجودةُ منهَا والموعودةُ والمَعْنى أنكَ كنتَ {يتيماً} و{ضالا} و{عائلا} فآواكَ الله تعالَى وهداكَ وأغناكَ فمهمَا يكُنْ من شيءٍ فلا تنسَ حقوقَ نعمةِ الله تعالَى عليكَ في هذه الثلاثِ واقتدِ بالله تعالَى وأحسنْ كما أحسنَ الله إليكَ فتعطفَ على اليتيم فآوِه وترحمْ على السائلِ وتفقدهُ بمعروفكَ ولا تزجرهُ عن بابكَ وحدثْ بنعمةِ الله كُلِّها وحيثُ كانَ معظمُها نعمةَ النبوةِ فقدِ اندرجَ تحتَ الأمرِ هدايتُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ للضلالِ وتعليمُه للشرائعِ والأحكامِ حسبمَا هداهُ الله عزَّ وجلَّ وعلمَهُ من الكتابِ والحكمةِ. اهـ.